حظي موضوع العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا بالاهتمام منذ بدايات القرن العشرين، خاصة من قبل صناع الدراما (من روائيين وسينمائيين) الذين طالما شغل تفكيرهم ما سيجلبه التطور التكنولوجي من أثر على حياة البشر. فرأينا أفلاما كثيرة ترصد وتتنبأ، منها مثلا فيلم حتى نهاية العالم Until The End Of The World، وفيه يدمن البشر نوعا من التكنولوجيا تستطيع عرض أحلامهم وكأنها أفلام فيديو، ثم كانت ثلاثية أفلام الماتريكسThe Matrix للأخوين ووتشوفسكي اللذين يرسمان المستقبل كأنه لعبة واقع افتراضي ، والبشر جميعا مدمجون فيها. ليس معنى هذا أن العلاقة بين الشباب والتكنولوجيا هي موضوع درامي فحسب، بل حظيت باهتمام الكثير من الأكاديميين، وفي مقدمتهم في الوقت الحالي شيري تيركل trklSherry الأستاذة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، وهي باحثة في علم الاجتماع وعلم النفس، وقد قضت ما يزيد على 20 عاما في تقصي طبيعة التفاعل بين الشباب والحواسيب الإلكترونية (ومثيلاتها من المنتجات الإلكترونية)، كما أنها ألّفت كتابين غير مسبوقين في هذا الموضوع هما: الذات الثانية: الحواسيب وطبيعة البشر، والحياة على الشاشة: الهوية في عصر الأنترنات. وهي الآن بصدد تأليف كتاب ثالث باسم مبدئي ماكينات حميمةIntimatenMachin ثمة فكرة رئيسية تمثل العنوان الكبير لفهمنا للتكنولوجيا في تونس، وهي أننا طوال الأعوام الثلاثين المنصرمة كنا نعتبر التكنولوجيا مجرد عامل تأثير خارجي، وقد استعملناها جميعا كسيارات وطائرات وحواسيب، لكن ثمة تحول كبير وجدير بالملاحظة حدث في الأعوام الأخيرة؛ فالتكنولوجيا التي كنا نشكلها دائما، صارت تشكّلنا! ولهذا فإن المهتمين بدراسة الآثار النفسية لعلاقة الشباب بالتكنولوجيا (الآلة) في زمن تحدد فيه التكنولوجيا -إلى حد بعيد- معنى أن نكون بشرا. في الثمانينيات كان التعامل مع الحاسوب مقصورا على مهندسي الحاسوب، أما الآن، فإننا جميعا نتعامل مع الحاسوب؛ الأطباء والمهندسون والقضاة والمعماريون ورجال الأعمال، بل إن تطبيقات الكمبيوتر في بعض المجالات صارت تؤثر على طريقة نظر أصحابه إليه، فصارت تؤثر على طريقة تصور المعماري للأشكال المعمارية وللمباني نفسها، وعلى رؤية الجراحين للجسم البشري ولطرق إجراء الجراحة. وهذا على وجه التحديد موضوع أبحاثي؛ كيف تؤثر التكنولوجيا –التي صنعتها أيدينا– في طريقة تفكيرنا وتشكيل رؤيتنا؟ ولعل هذا يضعف الفكرة السائدة التي تقول بأننا يجب ألا نقلق كثيرا بخصوص أثر التكنولوجيا؛ لأنها ليست أكثر من أداة، فالواقع يرينا أن التكنولوجيا صارت كيانا مؤثرا في حد ذاته. ولنأخذ مثالاً آخر، برنامج باور بوينت PowerPoint صنعته مايكروسوفت أساسا كأداة للعرض والتقديم في مجال الأعمال، لكن هذا التطبيق صار أكثر الوسائل التعليمية انتشارا، وقد وصل لهذه المرحلة من الشيوع نتيجة الطريقة المبتكرة التي يقدمها في ترتيب الأفكار في نقاط يسهل تدوينها واسترجاعها بالذاكرة. لكن ثمة أثار سلبية لذلك البرنامج إذا أمعنا النظر قليلاً؛ فاستعمال باور بوينت يحبس الأفكار في نقاط محددة وأشكال صارمة؛ وهو ما يعطي صورة زائفة...